كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومعنى اتخاذهم إلى الله سبيلًا تقربهم إليه بالإيمان والطاعة أو بالصدقة والنفقة.
وقيل: المراد لكن من شاء أن يتخذ بالإنفاق إلى رضاء ربه سبيلًا فليفعل.
وقيل: تقديره لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرًا إلا اتخاذ المدعو سبيلًا إلى ربه بطاعته فذلك أجري لأن الله يأجرني عليه.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الحى الذي لاَ يَمُوتُ} اتخذ من لا يموت وكيلًا لا يكلك إلى من يموت ذليلًا يعني ثق به وأسند أمرك إليه في استكفاء شرورهم ولا تتكل على حي يموت.
وقرأها بعض الصالحين فقال: لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق والتوكل الاعتماد عليه في كل أمر {وَسَبّحْ} من لا يكل إلى غيره من توكل عليه {بِحَمْدِهِ} بتوفيقه الذي يوجب الحمد أو قل سبحان الله وبحمده أو نزهه عن كل العيوب بالثناء عليه {وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} أي كفى الله خبيرًا بذنوب عباده يعني أنه خبير بأحوالهم كافً في جزاء أعمالهم {الذى خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ} أي في مدة مقدار هذه المدة لأنه لم يكن حينئذ ليل ونهار.
روي عن مجاهد: أو لها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة، وإنما خلقها في ستة أيام وهو يقدر على أن يخلقها في لحظة تعليمًا لخلقه الرفق والتثبت {ثُمَّ استوى عَلَى العرش الرحمن} أي هو الرحمن ف {الرحمن} خبر مبتدأ محذوف أو بدل من الضمير في {استوى} أو {الذي خلق} مبتدأ و{الرحمن} خبره {فسئل} بلا همزة مكي وعلي {بِهِ} صلة سل كقوله: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1] كما تكون عن صلته في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} [التكاثر: 8] فسأل به كقولك اهتم به واشتغل به وسأل عنه كقولك بحث عنه وفتش عنه أو صلة {خَبِيرًا} ويكون {خبيرًا} مفعول {سل} أي فاسأل عنه رجلًا عارفًا يخبرك برحمته، أو فاسأل رجلًا خبيرًا به وبرحمته، أو الرحمن اسم من أسماء الله تعالى مذكور في الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه فقيل: فاسأل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتب حتى تعرف من ينكره، ومن ثم كانوا يقولون ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة يعنون مسيلمة وكان يقال له رحمان اليمامة.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} أي إذا قال محمد عليه الصلاة والسلام للمشركين {اسجدوا للرحمن} صلوا لله واخضعوا له {قَالُواْ وَمَا الرحمن} أي لا نعرف الرحمن فنسجد له، فهذا سؤال عن المسمى به لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم والسؤال عن المجهول بما أو عن معناه لأنه لم يكن مستعملًا في كلامهم كما استعمل الرحيم والراحم والرحوم {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} للذي تأمرنا بالسجود له أو لأمرك بالسجود يا محمد من غير علم منا به.
{يأمرنا} علي وحمزة كأن بعضهم قال لبعض: أنسجد لما يأمرنا محمد أو يأمرنا المسمى بالرحمن ولا نعرف ما هو؟ فقد عاندوا لأن معناه عند أهل اللغة ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة لأن فعلان من أبنية المبالغة تقول: رجل عطشان إذا كان في نهاية العطش {وَزَادَهُمْ} قوله: {اسجدوا للرحمن} {نُفُورًا} تباعدًا عن الإيمان {تَبَارَكَ الذي جَعَلَ في السماء بُرُوجًا} هي منازل الكواكب السيارة لكل كوكب بيتان يقوي حاله فيهما.
وللشمس بيت وللقمر بيت.
فالحمل والعقرب بيتا المريخ، والثور والميزان بيتا الزهرة، والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد، والسرطان بيت القمر، والأسد بيت الشمس، والقوس والحوت بيتا المشتري، والجدي والدلو بيتا زحل.
وهذه البروج مقسومة على الطبائع الأربع فيصيب كل واحد منها ثلاثة بروج: فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية، والثور والسنبلة والجدي مثلثة أرضية، والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية، والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية.
سميت المنازل بالبروج التي هي القصور العالية لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها واشتقاق البروج من التبرج لظهوره.
وقال الحسن وقتادة ومجاهد: البروج هي النجوم الكبار لظهورها {وَجَعَلَ فِيهَا} في السماء {سِرَاجًا} يعني الشمس لتوقدها.
{سرجا} حمزة وعلى أي نجومًا {وَقَمَرًا مُّنِيرًا} مضيئًا بالليل.
{وَهُوَ الذي جَعَلَ الليل والنهار خِلْفَةً} فعلة من خلف كالركبة من ركب وهي الحالة التي يخلف عليها الليل والنهار كل واحد منهما الآخر، والمعنى جعلهما ذوي خلفة يخلف أحدهما الآخر عند مضيه أو يخلفه في قضاء ما فاته من الورد {لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ} يتدبر في تسخيرهما واختلافهما فيعرف مدبرهما.
{يذكر} حمزة وخلف أي يذكر الله أو المنسي فيقضي {أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} أي يشكر نعمة ربه عليه فيهما.
{وعباد الرّحمن} مبتدأ خبره {الذين يمشون} أو أولئك يجزون {والذين يمشون} وما بعدهما صفة والإضافة إلى الرحمن للتخصيص والتفضيل.
وصف أولياءه بعدما وصف أعداءه {على الأرض هونًا} حال أو صفة للمشي أي هينين أو مشيًا هينًا.
والهون الرفق واللين أي يمشون بسكينة ووقار وتواضع دون مرح واختيال وتكبر فلا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشرًا وبطرًا ولذا كره بعض العلماء الركوب في الأسواق ولقوله: {ويمشون في الأسواق} {وإذا خاطبهم الجاهلون} أي السفهاء بما يكرهون {قالوا سلامًا} سدادًا من القول يسلمون فيه من الإيذاء والإفك أو تسلمًا منكم نتارككم ولا نجاهلكم فأقيم السلام مقام التسلم.
وقيل: نسختها آية القتال.
ولا حاجة إلى ذلك فالإغضاء عن السفهاء مستحسن شرعًا ومروءة.
هذا وصف نهارهم ثم وصف ليلهم بقوله: {والذين يبيتون لربّهم سجّدًا} جمع ساجد {وقيامًا} جمع قائم والبيتوتة خلاف الظلول وهي أن يدركك الليل نمت أو لم تنم.
وقالوا: من قرأ شيئًا من القرآن في صلاة وإن قل فقد بات ساجدًا وقائمًا.
وقيل: هما الركعتان بعد المغرب والركعتان بعد العشاء.
والظاهر أنه وصف لهم بإحياء الليل أو أكثره {والذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّمّ إنّ عذابها كان غرامًا} هلاكًا لازمًا ومنه الغريم لملازمته.
وصفهم بإحياء الليل ساجدين قائمين ثم عقبه بذكر دعوتهم هذه إيذانًا بأنهم مع اجتهادهم خائفون مبتهلون متضرعون إلى الله في صرف العذاب عنهم.
{إنّها ساءت مستقرًّا ومقامًا} أي إن جهنم.
و{ساءت} في حكم بئست وفيها ضمير مبهم يفسره {مستقرًا} والمخصوص بالذم محذوف معناه ساءت مستقرًا ومقامًا هي، وهذا الضمير هو الذي ربط الجملة باسم إن وجعلها خبرًا لها، أو بمعنى أحزنت وفيها ضمير اسم إن و{مستقرًا} حال أو تمييز، ويصح أن يكون التعليلان متداخلين ومترادفن وأن يكونا من كلام الله تعالى وحكاية لقولهم.
{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا} لم يجاوزوا الحد في النفقة أو لم يأكلوا للتنعم ولم يلبسوا للتصلف.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لم ينفقوا في المعاصي فالإسراف مجاوزة القدر.
وسمع رجل رجلًا يقول: لا خير في الإسراف.
فقال: لا إسراف في الخير، وقال عليه الصلاة والسلام «من منع حقًا فقد قتر ومن أعطى في غير حق فقد أسرف» {ولم يقتروا} بضم التاء كوفي، وبضم الياء وكسر التاء مدني وشامي، وبفتح الياء وكسر التاء مكي وبصري.
والقتر والإقتار والتقتير والتضييق الذي هو نقيض الإسراف {وكان} إنفاقهم {بين ذلك} أي الإسراف والإقتار {قوامًا} أي عدلًا بينهما فالقوام العدل بين الشيئين والمنصوبان أي {بين ذلك قوامًا} [الإسراء: 29] خبران وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير، وبمثله أمر عليه الصلاة والسلام {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} الآية.
وسأل عبد الملك بن مروان عمر بن عبد العزيز عن نفقته حين زوجه ابنته فقال: الحسنة بين السيئتين.
فعرف عبد الملك أنه أراد ما في هذه الآية.
وقيل: أولئك أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام كانوا لا يأكلون طعامًا للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثيابهم للجمال والزينة ولكن لسد الجوعة وستر العورة ودفع الحر والقر.
وقال عمر رضي الله عنه: كفى سرفًا أن لا يشتهي الرجل شيئًا إلا أكله.
{والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر} أي لا يشركون {ولا يقتلون النّفس التي حرّم الله} أي حرمها يعني حرم قتلها {إلاّ بالحقّ} بقود أو رجم أو ردة أو شرك أو سعي في الأرض بالفساد، وهو متعلق بالقتل المحذوف أو ب {لا يقتلون} {ولا يزّنون} ونفى هذه الكبائر عن عباده الصالحين تعريض لما كان عليه أعداؤهم من قريش وغيرهم كأنه قيل: والذي طهرهم الله مما أنتم عليه {ومن يفعل ذلك} أي المذكور {يلق أثامًا} جزاء الإثم {يضاعف} بدل من يلق لأنهما في معنى واحد إذ مضاعفة العذاب هي لقاء الآثام كقوله:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ** تجد حطبًا جزلًا ونارًا تأججا

فجزم تلمم لأنه بمعنى تأتنا إذ الإتيان هو الإلمام.
{يضعّف} مكي ويزيد ويعقوب.
{يضعّف} شامي {يضاعف} أبو بكر على الاستئناف أو على الحال ومعنى يضاعف {له العذاب يوم القيامة} أي يعذب على مرور الأيام في الآخرة عذابًا على عذاب.
وقيل: إذا ارتكب المشرك معاصي مع الشرك عذب على الشرك وعلى المعاصي جميعًا فتضاعف العقوبة لمضاعفة المعاقب عليه {ويخلد} جزمه جازم {يضاعف} ورفعه رافعه لأنه معطوف عليه {فيه} في العذاب {فيهي} مكي وحفص بالإشباع.
وإنما خص حفص الإشباع بهذه الكلمة مبالغة في الوعيد.
والعرب تمد للمبالغة مع أن الأصل في هاء الكناية الإشباع {مهانًا} حال أي ذليلًا {إلاّ من تاب} عن الشرك وهو استثناء من الجنس في موضع النصب {وآمن} بمحمد عليه الصلاة والسلام {وعمل عملًا صالحًا} بعد توبته {فأولئك يبدّل الله سيّئاتهم حسناتٍ} أي يوفقهم للمحاسن بعد القبائح أو يمحوها بالتوبة ويثبت مكانها الحسنات الإيمان والطاعة، ولم يرد به أن السيئة بعينها حسنة ولكن المراد ما ذكرنا.
{يبدل} مخففًا البرجمي {وكان الله غفورًا} يكفر السيئات {رّحيمًا} يبدلها بالحسنات.
{ومن تاب وعمل صالحًا فإنّه يتوب إلى الله متابًا} أي ومن تاب وحقق التوبة بالعمل الصالح فإنه يتوب بذلك إلى الله تعالى متابًا مرضيًا عنده مكفرًا للخطايا محصلًا للثواب {والذين لا يشهدون الزّور} أي الكذب يعني ينفرون عن محاضر الكذابين ومجالس الخطائين فلا يقربونها تنزهًا عن مخالطة الشر وأهله إذ مشاهدة الباطل شركة فيه، وكذلك النظارة إلى ما لم تسوغه الشريعة هم شركاء فاعليه في الآثام لأن حضورهم ونظرهم دليل على الرضا.
وسبب وجود الزيادة فيه وفي مواعظ عيسى عليه السلام: إياكم ومجالسة الخاطئين.
أو لا يشهدون شهادة الزور على حذف المضاف.
وعن قتادة: المراد مجالس الباطل.
وعن ابن الحنفية: لا يشهدون اللهو والغناء.
{وإذا مرّوا باللّغو} بالفحش وكل ما ينبغي أن يلغى ويطرح، والمعنى وإذا مروا بأهل اللغو والمشتغلين به {مرّوا كرامًا} معرضين أنفسهم عن التلوث به كقوله.
{وإذا سمعوا اللَّغْوَ أعرضوا عنه} [القصص: 55] وعن الباقر رضي الله عنه: إذا ذكروا الفروج كنوا عنها {والذين إذا ذكّروا بأيات ربّهم} أي قرىء عليهم القرآن أو وعظوا بالقرآن {لم يخرّوا عليها صمًّا وعميانًا} هذا ليس بنفي الخرور بل هو إثباب له ونفي الصمم والعمى ونحوه لا يلقاني زيد مسلمًا هو نفي للسلام لا للقاء يعني أنهم إذا ذكروا بها خروا سجدًا وبكيًا سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون واعية لما أمروا ونهوا عنه لا كالمنافقين وأشباههم دليله قوله تعالى: {وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا وبكيًا}.